علاقة الإسلام بالديانات الأخرى
الله سبحانه وتعالى هو الإله الحق الواجب الوجود لكل من عالم الغيب وعالم الشهادة , وهو الخالق سبحانه لكل البشر وليس فئة دون أخرى , وهو سبحانه هو الذي خلق الإنسان للعبادة واستخلفه في الأرض , وهو الذي يعمل على هداية خلقة وتنظيم شئون حياتهم في كل زمان ومكان , ولا يتحيز بهدايته لفئة من الناس دون فئة أخرى , لكن الله سبحانه وتعالى ( في نظر المسيحية ) إله عنصري متحيز أهمل كل البشر وتركهم ليعيشوا هكذا كالحيوانات والوحوش وتركهم بغير هداية ولا كتاب منير , واختار قبيلة واحدة فقط هي قبيلة بني إسرائيل ليجعل فيها النبوة والرسالة , وينزل فيها الكتب المقدسة , ثم تنبه هذا الإله أخيرا والعياذ بالله ولكن بعد مرور 4000 سنه من خلق آدم أبو البشر إلى سوء هذا التصرف , فسمح لبقية البشر أن يؤمنوا بالمسيح الذي لم يرسله إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة , أما أن يرسل الله الهداية لبقية الأمم الأخرى فهذا لا يجوز عند المسيحية , فهم يعتبرون أن كل الأديان أديان وثنية ما عدا اليهودية والمسيحية , وللأسف هذه الفكرة الخاطئة يؤمن بها بعض المسلمين , حيث يعتبرون أن الديانات السماوية ثلاثة فقط وهي اليهودية والمسيحية والإسلام , أما الأديان الأخرى فهي أديان وضعية وضعها الناس وليس لها مصدر سماوي !!
إن الدين الحق عند الله الإسلام
( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)
ولذلك القرآن الكريم يعارض هذه الفكرة الخاطئة إذ يقول تعالى :
• إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
• وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ................... @
• وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)
• وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)
• وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
• تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
• وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
• ............ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ ................ @
• وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)
وذكر القرآن الكريم بعضا من هذه الديانات على سبيل المثال حيث يقول تعالى :
• إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
في هذه الآية ( 4 ) فئات من الناس
• إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)
وفي هذه الآية ( 6 ) فئات من الناس
وكل فئة من هذه الفئات من الناس تتبع دين يختلف تماما عن دين الأخرى , وتظن أنها تتبع دين إبراهيم عليه السلام , ولذلك قال تعالى لنبيه المصطفى ص - قل للمشركين ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) , صحيح كثير من الأديان القديمة التي كانت في الأصل سماوية المصدر أصابها التبديل والتحريف , وصارت اليوم تحمل من العقائد ما لم يأتي من عند الله تعالى وما لم ينزل الله به سلطانا , لكن هذا لا يعني أنها لم تكن ربانية المصدر , أي أن المصدر واحد ( إله واحد ) وهو الله سبحانه وتعالى
ولننظر مثلا للديانة المسيحية اليوم التي تؤمن بالتثليث وتؤمن بأن المسيح ابن مريم هو الله تعالى والعياذ بالله , وتؤمن بأن الله تجسد في جسد إنسان , وتؤمن بأن البشر ورثوا خطيئة آدم وأنه لا سبيل للنجاة لأحد إلا بالإيمان بالكفارة التي قدمها هذا الإله المتجسد , والمسلمين عارفين أن كل هذه العقائد باطلة , ولكنهم يؤمنون بأن ديانة السيد المسيح في مصدرها كانت من عند الله تعالى الواحد , وعلى هذا لا يمنع أبدا أن تكون الديانة الهندوسية أو البوذية أو الفارسية الزرادشتية أو الماندية الصابئة أو الصينية أو غيرها , مما يُقال عنها أنها ديانات وثنية أو ديانات وضعية , أنها كانت في أول أمرها ديانات سماوية , وكان مصدرها إله واحد وهو الله سبحانه وتعالى , ولكنها مثل الديانة المسيحية تعرضت للتبديل والتحريف والحذف والإضافة إلى أن تغيرت تغييرا يكاد يكون كاملا عما كانت عليه في أول أمرها
ومن المعروف أن أهل مكة من قريش وكثير من القبائل العربية كانوا يقولون أنهم بيتبعوا دين إبراهيم عليه السلام , ورغم أنهم كانوا مشركين إلا أن ما وصلهم من دين إبراهيم من آلاف السنين , لم يكن كله قد أصابه التحريف وإنما كان القليل منه أو الكثير لا يزال يحتفظ بصحته ونقائه , بدليل أن الإسلام أقر الكثير من مراسم الحج والعمرة وشعائرهما رغم أن الذين كانوا يقومون بهذه الشعائر كانوا مشركين ( وثنيين )
وعلى هذا فلا غرابة أن يوجد في الأديان التي ذكرناها والتي يُقال عنها أنها وثنية أو وضعية بعض الجمل الصحيحة التي أنزلها الله تعالى , بالتالي لا غرابة أن تتشابه بعض هذه الجمل مع ما جاء في القرآن المجيد , خاصة وأن الله تعالى يقول عن القرآن المجيد (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) , ويقول تعالى ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ) أي أن الوحي هذا الذي جاء في القرآن هو أيضا مذكور في كتب السابقين ولكن كان بلغتهم , كما قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
ومن ظن أن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم قد تأثر مما جاء في كتب الأولين وذكره في القرآن الكريم , هو ظن باطل عار تماما من الصحة ويجانب الحق , بل ما جاء في كتب الأولين السابقة وتكرر ذكره في الرسالة العالمية الكاملة التي جاء بها رسول الإسلام محمد (ص) , هو دليل على أن مصدر جميع الرسائل واحد من عند إله واحد خالق جميع البشر يهديهم وينظم شئون حياتهم وهو الله تعالى الواحد الذي لا شريك له , فلما أراد الله تعالى إكمال الدين وإتمام النعمة على البشرية , أكملها وأتمها على يد خاتم النبيين محمد (ص) حيث قال تعالى على لسان نبيه (........... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .......... ) , ويقول أيضا ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ .......) , ويقول أيضا ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) , وبما أن أكمل الدين للبشرية في الرسالة التي جاء بها رسول الإسلام (ص) وأتمم نزول هذه النعمة على يد محمد (ص) , فهو بذلك خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم لأنه جاء بكل ما جاء به الأولين إلى جانب ما يهدي البشرية وينظم شئون حياتهم مستقبلا حتى يوم القيامة
ونعود لموضوعنا لنختم بهذه الكلمات : وبما أن الأمر كذلك فنحن لا نستبعد أن تكون بعض العبارات التي جاءت في بعض الأديان السابقة قد جاءت أيضا في القرآن المجيد ( مع اختلاف اللغة حسب ألسنة البشر ) , والله تعالى يقول عن آياته السابقة في أي رسالة ( .......... نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ............ ) , فذلك لا يُنقص من قدر القرآن شيئا أن يحتوي على بعض الآيات التي تماثل آيات سبق نزولها في كتب سابقة أو جاءت في ديانات أخرى , أو يحتوي على إعجاز سبق اكتشافه من قبل أصحاب الديانات السابقة