بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
أجمعين ، ثم أما بعد :
نحمد الله عز وجل أن جعل باب التوبة مفتوحا ما لم تغرغر الروح وما لم
تطلع الشمس من مغربها ، نحمده جل في علاه فهو التواب الرحيم الذي
يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير ، نحمده وهو القائل في كتابه العزيز:
( إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )
أحببت أن أبشّر التائبين العائدين إلى الله ببشارات بشرهم بها المولى جل
في علاه وبشرهم بها رسوله الكريم صلوات ربي وسلامه عليه وعلى
آله وصحبه أجمعين ، وهذا لتذكيرهم بفضل الله تعالى وسعة رحمته جل
في علاه وتشجيعا لهم للاستمرار على التوبة والثبات عليها ثبات الجبال
الراسيات الشامخات وتشجيعا كذلك للذي لم يلحق بركب التائبين بعد بأن
يبادر في توبته ويعلنها توبة صريحة خالصة لوجهه الكريم.
أبشر أيها التائب : لأنك أصبحت من أحباء الله تعالى ، لقوله تعالى :
( أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) سورة البقرة
أبشر أيها التائب : لأنك أفرحت المولى جل في علاه بتوبتك لقوله صلى
الله عليه وسلم : ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم
كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس
منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك
إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت
عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) صحيح مسلم
أبشر أيها التائب : لأن الله سيغفر لك ذنوبك جميعا مهما بلغت لقوله تعالى :
( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله
يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )
أبشر أيها التائب : لأن سيئاتك قد بدلها الله لك حسنات لقوله تعالى :
( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) (الفرقان:70)
أبشر أيها التائب : لأنك أصبحت كمن لا ذنب له لقوله صلى الله عليه
وسلم : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) رواه ابن ماجه (4250)
وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
أبشر أيها التائب : لأنك فتحت صفحة جديدة بيضاء مع الخالق جل في
علاه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( التوبة تهدم ما كان قبلها ، والإسلام
يهدم ما كان قبله ) وفي لفظ آخر : ( الإسلام يجب ما كان قبله ، والتوبة
تجب ما كان قبلها ).
أبشر أيها التائب : ما دمت تستغفر الرحمن الرحيم الذي يغفر ذنوب
المستغفرين ما لم يصروا على معاصيهم ، لقوله تعالى :
( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ
لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )
[(135) سورة آل عمران]
أبشر أيها التائب : لأن المولى جل في علاه وعدك بجنات تجري من تحتها
الأنهار ، لقوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) [(8) سورة التحريم]
أبشر أيها التائب : لأن التوبة هي طريق للفلاح ، لقوله تعالى :
( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [(31) سورة النــور]
أبشر أيها التائب : لأن الله عز وجل توعد إبليس بأن يغفر ذنوب العصاة ما
استغفروه جل في علاه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ:
أَيْ رَبِّ لَا أزال أغوي بني آدم مادامت أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. قَالَ:
فَقَالَ: الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا
اسْتَغْفَرُونِي ) رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
أبشر أيها التائب : لأن رحمة الله وسعت كل شيء ، لقوله تعالى :
( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) [الأعراف:156]
أبشر أيها التائب : لأن الله تعالى يغفر لك ذنوبك مهما كانت ولو بلغت عنان
السماء لقوله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم
إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم
لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن
آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك
بقرابها مغفرة ) رواه الترمذي وصححه ابن القيم وحسنه الألباني.
أبشر أيها التائب : لأنك تبت وعدت إلى الرحمن الرحيم قبل أن تغرغر
الروح ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم
يغرغر )
جعلنا الله وإياكم من عباده التوابين
والحمد لله رب العالمين