لقد وصف القرآن الكريم اليهود بنقضهم لعهودهم، التي أخذها الله تعالى عليهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ويحافظوا على أداء العمل الصالح، ونقضوا عهودهم التي أمرتهم بها كتبهم حيث سفك بعضهم دم بعض ، ونقضوا عهودهم مع أنبيائهم إذ آذوهم وعصوهم ، ونقضوا عهودهم التي أخذت عليهم بأن يؤمنوا بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عند ظهوره، ونقضوا عهودهم في كل موطن يرون النقض فيه يوافق أهواءهم، ويساير شهواتهم ؛ ولهذا طبع الله على قلوبهم فلا يؤمنوا إلا قليلاً
قال تعالى(لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ . ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) (181، 182آل عمران) وقال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
{لما نزل قوله تعالى (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) (245البقرة)، قالت اليهود : يا محمد، افتقر ربك فسأل عباده القرض، فأنزل الله تعالى هذه الآية }(1)
وروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل بيت المدارس، فوجد من يهود ناساً كثيرين قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له فنحاص، فقال له أبو بكر ،ويحك يا فنحاص، اتق الله وأسلم، فو الله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص،والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإننا عنه لأغنياء، ولو كان غنيًّا ما استقراض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنيًّا ما أعطانا الربا) (2)
فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال، يا محمد انظر ما صنع صاحبك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم لأبى بكر (ما حملك على ما صنعت يا أبا بكر)، فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك غضبت مما قال فضربت وجهه. فجحد فنحاص ذلك، وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء) (181، آل عمران)
وهكذا فقد كانوا يتهكمون على القرآن الكريم عندما كان يدعو الناس إلى البذل والإنفاق، ويستهزئون بتعاليم الإسلام التي تحضُّ على الجود والسخاء، ويصفون الله عزَّ وجلَّ بما هو مُنَزَّهٌ عنه، ويحاولون بطرق شتى تحريض المؤمنين على الشُّحِّ وعدم الإنفاق لتشكيكهم في دينهم وصرفهم عن الاستجابة لكتاب ربِّهم وسنَّة نبيِّهم، وليس هذا القول القبيح غريباً على اليهود