مما لا شك فيه أن طلب العلم وحضور مجالسه مما يزيد القلب رقة وإيمانا، كيف لا وبالعلم تعرف صفات الرب جل وعلا، وبالعلم يعرف الحلال من الحرام، وبه تعلو الدرجات، {يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.. (المجادلة الآية 11).
بالعلم يزداد الإيمان فتقع خشية الله عز وجل في القلوب، كما أخبر الله في كتابه الكريم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.. (فاطر :28).
وكما قال سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وكيف لا يزداد إيمان من هو في كل مرة يزداد فيها علما إنما يزداد نورا وبصيرة؟
وقد جعل الله العمى الحقيقي الجهل الذي هو في مقابلة العلم ،فالعلم نور للبصائر والجهل ظلمة وعمى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}... (الرعد:19). وقال الله تعالى مبينا سبيل نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}... (يوسف : 108).
وكيف لا يزداد إيمان من أراد الله تعالى به خيرا بسلوكه سبيل العلم والفقه في الدين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".
وكيف لا يزداد إيمان ورثة الأنبياء والمرسلين، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر".
ومن كرم أهل العلم على الله تعالى أن جعلهم شهداء على أعظم مشهود عليه، كما قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}... (آل عمران : 18).
وكيف لا يزداد إيمان من دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، رب حامل فقه إلى من هو أفقه".
إن أهل العلم يسلكون سبيل النبي صلى الله عليه وسلم، وسبيله هو النور الذي به يبصر العبد أمر دينه ودنياه وآخرته، وبه يعيش حياة السعداء الموفقين المؤمنين، وقد وصف الله نبيه بذلك فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ
جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}... (المائدة : 15 - 16).
ومن أجل كل هذه الفضائل وغيرها، ولأن العلم من أعظم أسباب زيادة الإيمان فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه تعالى منه المزيد: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}.. (طـه : 114).
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يعلمه العلم النافع: "اللهم إني أسألك علما نافعا.."
فاللهم زدنا إيمانا وعلما، واجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.