بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ لله شافي العلل، وغافرِ الزلَل، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد الذي دلَّ على خير العمل، وعلى ءاله وصحبِه مَنْ بِصَبرِهم وجِهادِهِم ضُرب المثل. أما بعدُ، فقد قال اللهُ تبارك وتعالى في محكم التنزيل : ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾ (سورة ءال عمران). صدق الله العظيم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَن رأى منكم منكرًا فليغيرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان » رواه مسلم.
قال رسول الله: « إذا رأيتَ أُمّتي تَهاب أن تقولَ للظّالم يا ظَالم فقَد تُوُدِّع منهم » رواه الحاكم.
فإن الشرع الكريم دعانا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى إبطال الباطل وإحقاق الحقّ، ولقد كثر المفتون اليوم في الدين بفتاوى ما أنزل اللهُ بها من سلطان، وزاد الانحراف وامتد، لذلك كان لا بدّ من كتابة بعض الأسطر لبيان الحق من الباطل والصحيح من الزائف. فمن الواجب التحذيرُ من أهلِ الضلال الذين ينتسبون إلى الإسلام حتى يحذرهُم الناس كما جاء في حديثٍ رواهُ البيهقي :"حتى متى ترعون عن ذكرِ الفاجر اذكروه بمافيه حتى يحذره الناس”, وتوحيدُ الصفِ إنما يكونُ بين المؤمنين ليس بين المؤمنين والضالين فإن هذا يوهمُ الناس بأن الباطل هو الحق.
وقد ثبت عن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم أنّه حذّر ممن يغشّ في الطعام، وثبت عنه أيضًا أنّه قال في رجلين كانا يعيشان بين المسلمين : "ما أظنّ فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا” رواه البخاريّ.
وإذا كان الرسول صلى اللهُ عليه وسلم قال للخطيب الذي قال : "من يطع اللهَ ورسولَه فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى” : "بئسَ الخطيبُ أنتَ” وذلك لأنّه جمعَ بين الله والرسول بضمير واحد، فقال له : "قل: ومن يعصِ اللهَ ورسولَه” فلم يسكتْ عن هذا الأمرِ الخفيفِ الذي ليس فيه كفر وإشراك بل وليس فيه معصية وإنما هو مكروهٌ فكيف يُسكت عمّن يحرف الدّينَ وينشر ذلكَ بين الناس، فهذا أجدر بالتحذير والتنفير منه، والحديثُ رواه مسلم.
وليس ذكرنا لبعض المنحرفين في هذا الموقع من الغيبة المحرمة إنما هو من التحذير الواجب، فقد ثبت أن فاطمةَ بنت قيس قالت لرسول الله صلى اللهُ عليه وسلم : "يا رسول الله إنّه خطبني معاوية وأبو جهم” فقال رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم : "أمَّا أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقِه وأما معاويةُ فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة” رواه مسلم. فإذا كان الرسولُ حذَّرَ فاطمةَ منهما وذكرهما في خلفهما بما يكرهان لهذين السببين أحدهما: كون معاوية شديد الفقر لا يقوم بحاجتها بأمر النفقة، والثاني: أن أبا جهم يكثر ضربَ النساء فكيف أناس ادّعوا العلم وغشوا الناس وجعلوا الكفر إسلامًا!؟ ولهذا حذّر الشافعي رضي الله عنه من حفص الفرد أمام جمعٍ وقال له : "لقد كفرتَ بالله العظيم” رواهُ البيهقي في مناقب الشافعي وروى الحافظُ الخطيبُ البغداي في تاريخ دمشق أن الإمام الأوزاعي قال لِغيلان أبي مروان الدمشقي المُعتزلي بعد أن ناظرهُ أمام الخليفة هشام بنِ عبد الملك وكسرهُ لقد كفرتَ باللهِ العظيم .
وقد امتدحَ اللهُ أمّة سيدنا محمد صلى اللهُ عليه وسلم بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أسلفنا في الآية المباركة، وكذلك فإنّ الله ذمّ الذين كفروا من بني إسرائيل بقوله : ﴿كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)﴾ (سورة المائدة).
وقد ثبت في الحديثِ الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم حذر ممن غش الناس في الطعام فقال : من غشنا فليس منا معناه : ليس على نهجنا وطريقتنا فكيف بمن يغش الناس في أمر الدين هذا أولى بأن يحذر منه.
وما كلامنا عن هؤلاء الأشخاص المذكورين في هذا الموقع إلا من باب البيان الواجب تبيانه للعامة والخاصة، ولا يظن ظانّ أن هذا من باب الغيبة المحرمة فمن المعروف في تاريخنا أن السلف الصالح كانوا لا يسكتون على الباطل بل كانت ألسنتهم وأقلامهم سيوفًا على أهل البدع والأهواء. والله الموفّق.
تنبيه : ليس من حسن الخلق الإعانة على الحرام، فالإعانة على الحرام حرام والإعانة على الكفر كُفرٌ وكذلك الرّضاء بالكفر كفر. قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ »، رواه التّرميذي. قال الله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [سورة المائدة آية 2]
فلا يجوز إهداء الكافر الخمر أو لحم الخنزير، ولا يجوز حمله إلى مكانٍ لفعل الكفر، كما لا يجوز أن تسأله سُؤالا يُؤدي به إلى قول الكفر. أنظر : كَيْفَ يُحَافِظُ المُسْلِمُ عَلَى إيـمَانِهِ.
كذلك في نهار رمضان لا يجوز إطعام شخص (مسلم أو كافر) لأنّ الطّعام حرام في نهار رمضان أمّا في اليلِ يجوز.
قال الله تعالى: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ﴾[سورة آل عمران آية 110].
قال النسفي (ت 710 هـ) في تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة المائدة آية 105]، كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العناد من الكفرة يتمنون دخولهم في الإسلام فقيل لهم: عليكم أنفسكم وما كلفتم من إصلاحها لا يضركم الضّلاّل عن دينكم إذا كنتم مهتدين، وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن تركهما مع القدرة عليهما لا يجوز.
روى الحاكم وغيره عن أبي ثعلبة الخشني: سألت عنها [آية 105 من سورة المائدة] رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « إئتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ».
الحمد لله رب العالمين