ألم نجعل له عينين تأملات طبية في خلق العين [1]
الحمد لله الذي جعل الظلمات والنور، والحمد لله الذي خلق العين فميزت بين العشي والبكور، وأبصرنا بها آيات الفرقان والزبور ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، ومن تبعه بإحسان إلى يوم النشور....
قد يكون مرّ عليك يوم رأيت فيه إنسانا قوي الجسم، متوسطَ العمر، عالي الهامة، قاسي القلب، غليظ الجوارح، جهوري الصوت، له مكانة ومنصب، يخاف منه الناس، ذا مال وعيال، له سلطة وسطوة..... لا شك كلها أوصاف تنبئ عن قوة وشدة ذاك الرجل.
ثم فجأة وفي برهة من الزمن ترى ذلك الرجل بسبب مصيبة ألمت به، أو قريب له قد مات، أو مرض ألم بأحب عياله، أو بعلة أصابته، تراه جالسا بمفرده قد عبس وجهه، وخارت قواه، وانهدت جوانبه، واعترف بضعفه في صمت، ثم (( ترى دمعات دافئة قد ترقرقت على مقلتيه )) فعندها تعرف انه في أحط أحوال الضعف والعجز والركود....
فيا ترى ما أعجب هذا الدمع الماء العجيب الذي بنزوله قد فشا السر وأنبأك بكل ما يجري في داخل هذا الرجل الضخم المهيب!!
إنه الدمع وما أدراك مالدمع هو قطرة من بحر، والبحر هو العين، فلنتأمل امتنان الله بقوله (( ألم نجعل له عينين))!!البلد (8:90) ،
سنتأمل بدءاً بالعين ثم نتأمل في الدمع بشرح مستقل.
تأمل ببصرك وبصيرتك! {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} الذاريات (21:51):-
1) انظر كيف جعل الله تعالى لحاسة البصر عينين اثنين لا واحدة , لتكون الثانية عونا لأختها , وعوضا عنها حين تغيب أو يصيبها داء...
2) تأمل! كيف أحاط الله العينين من أربع جهاتها بعظام (الوقب Ôrbital Fossa) تدرأ عنها أية صدمة أو كدمة تهدد أمنها وسلامتها وتكون من وسائل حراستها، ولم يجعلها في هيئة نتوء بارز , بل جعلها في موضع غائر , يضمن لها البعد عن أي طارئ تتعرض له، وجعل في هذه العظام فتحة للأعصاب والشرايين والأوردة لتغذي العين (كما في الصورة)، ثم زيادة في الحفظ جعل الجبهة متقدمة وبارزة قليلا من الأعلى، والأنف من الأسفل حتى يكونا حائطان إضافيان، لأجل حفظ هذا الجسم الحساس الرقيق، فهو النور الذي يرى به الإنسان، وتأمل بأنه سبحانه لم يقدم الجبهة في البروز كثيرا حتى لا يتشوه الوجه ويكون شكلا غير مقبول أو مستساغ.
3) ثم تأمل! في خلق الله للحاجبين حيث جعل أعلى العين شعر الحاجب شعر ثخين مائل، ليحول دون الغبار الهابط والسوائل التي تنزل من الجبين، فإذا نزل العرق أو الماء من الجبين فإنه يتجه إلى مسار العين من الخارج فينزل السائل على جنب العين من غير إضرار بها.
ولم يجعل الحاجب مستقيما على خط واحد إذ لا فائدة في ذلك حيث سيجتمع السائل عليه ثم يفيض إلى العين. ومنع ازالة هذا الشعر(النمص) بل ولعن من فعل ذلك لان في ذلك اضرار في نظام حماية العين وتدخل في تغيير الخِلقة.
4) (Ëye Lid) ثم لف العين بالجفن الذي يحميها من الغبار ومن شدة الحرارة والبرد , ويضمن لها أن تكون منداة مبللة دائما , إذ أن جفاف سطحها يعرضها لأضرار بالغة, ولو قلت تلك النداوة لاحتاج الإنسان إلى تكرار غمض عينيه واضطر لشراء الدمع الاصطناعي(Ârtificial tears) ليقطرها في عينه بين الفينة والأخرى وهو مرض يسمى بجفاف العين (dry eye) لكن لطف الله بهذه العين جعلها ندية كل الوقت.
جعل الجفن تتحرك بحركة إرادية وغير إرادية تلقائية (autonomic nervous system) فالإرادية تجعل الإنسان يغمض عينه إذا احتاج أو أحس بخطر. وأما اللاإرادية فتغمض الجفن إذا فاجأها خطر لم يكن متوقعا فتغمض العين دون أن يقصد الإنسان أو تتدخل إرادته.
وإذا دخل شئ من غبار أو دخيل تتكرر الغمْضات لتغسل غرفة العين وتبدأ عملية التنقية والتصفية.
ثم ان الجفن ينسدل عند النوم عليها في هدوء ولطف تام، فتظلم له الدنيا حتى يأخذ راحته من شعاع الدنيا وضجيجها.
ومن السنة إغماض الجفن عند الموت فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره ، فأغمضه ، ثم قال : « إن الروح إذا قبض ، تبعه البصر » [رواه مسلم 920]
5) ثم جمّل أطراف العينين بصَفّين من الرموش Ëyelashes لو أفلت شىء من الغبار واقتحم الحاجب والجفن أو هاجمها من أعلى أو من أسفل لتصدى له صفان من الرموش , تقومان حول فتحتها، وهذه الرموش يولد بها الطفل، وإذا قلعت أو سقطت فإنها تنبت وترجع إلى حالها بعد 7-8 أسابيع.
فما أجمل هذا الخلق وهذا الصنع وما أجمله وما أنسقه فمن تأمل حق التأمل عظم الله تعالى وقويت عقيدته به سبحانه، فتبارك الله رب العالمين، وهذا هو مقصد آفاق العقيدة.
هذه بعض اللطائف والأسرار العجيبة التي أودعها الله تبارك وتعالى في العين، وهذه بعض الاسرار الظاهرة الواضحة، وهناك أسرار طبية خفية فسيولوجية وتشريحية سنعرج على الباقي في مقالات وحلقات قادمة بإذن الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بكر بن مطيع الرحمن محمد واصل
خامس طب - كلية الإسراء الطبية
حيدر أباد – باكستان
al-aqidah.com