فضل الإسلام تأليف
الإمام المجدد أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم
باب فضل الإسلام
وقول الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 1. وقوله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} 2. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3.
وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى: ثم قال من يعمل من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة آية: 3.
2 سورة يونس آية: 104.
3 سورة الحديد آية: 28.
ص -206- هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا. قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء" 1.
وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا. فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة. وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون 2 يوم القيامة" وفيه تعليقا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة" 3 انتهى.
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار. وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله إلا كان كمثل شجرة يبس ورقها إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها. وإن اقتصادا في سنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: "قال يا حبذا نوم الأكياس وأفطارهم كيف يغبنون 4 سهر الحمقى وصومهم. مثقال ذرة من بر مع تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من عبادة المغترين".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البخاري: الإجارة (2268) , والترمذي: الأمثال (2871) , وأحمد (2/6 ,2/111 ,2/121 ,2/129).
2 نص مخطوطة عبد الرحمن الحصين -وهو الموافق لنص البخاري في باب: (الدين يسر).
3 البخاري: الإيمان (20 ,43) والأذان (729) والجمعة (1132 ,1151) والصوم (1970 ,1987) والأدب (6101) والرقاق (6461 ,6462 ,6464 ,6465) , ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (741 ,746 ,761 ,782 ,783 ,785) والصيام (782) وصفة القيامة والجنة والنار (2818) , والترمذي: الصوم (736 ,768) , والنسائي: القبلة (762) وقيام الليل وتطوع النهار (1604 ,1616 ,1642) والإيمان وشرائعه (5035) , وأبو داود: الصلاة (1317 ,1368 ,1370 ,1373) والصوم (2434) , وابن ماجه: الصيام (1649) والزهد (4238) , وأحمد (6/46) , ومالك: النداء للصلاة (250 ,422) والصيام (641 ,688).
4 من (الغبن) وهذا لفظ المخطوطات الثلاثة, وهو الموافق لنص كتاب (الزهد) للإمام أحمد بن حنبل.
ص -207- باب وجوب الإسلام
وقول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}12. وقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ}3. وقوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 4. قال مجاهد: السبل: البدع والشبهات.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 5 أخرجاه، وفي لفظ: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" 6.
وللبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" 7.
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة آل عمران آية: 85.
2 ذكرت هذه الآية في مخطوطتي "المفتي وعبد الرحمن الحصين".
3 سورة آل عمران آية: 19.
4 سورة الأنعام آية: 153.
5 البخاري: الصلح (2697) , ومسلم: الأقضية (1718) , وأبو داود: السنة (4606) , وابن ماجه: المقدمة (14) , وأحمد (6/73 ,6/146 ,6/180 ,6/240 ,6/256 ,6/270).
6 البخاري: الصلح (2697) , ومسلم: الأقضية (1718) , وأبو داود: السنة (4606) , وابن ماجه: المقدمة (14) , وأحمد (6/73 ,6/146 ,6/180 ,6/240 ,6/256 ,6/270).
7 البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (7280) , وأحمد (2/361).
ص -208- الله عليه وسلم قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية، ومطلب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريق دمه" 1 رواه البخاري. (قال ابن تيمية: قوله: سنة جاهلية) 2 يندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة، أي في شخص دون شخص كتابية أو وثنية أو غيرهما، من كل مخالفة لما جاء به المرسلون.
وفي الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه قال: "يا معشر القراء استقيموا، فقد سبقتم سبقا بعيدا, فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا".
وعن محمد بن وضاح أنه 3 كان يدخل المسجد، فيقف على الحلق فيقول: فذكره، وقال أنبأنا ابن عيينة عن مجالد 4 عن الشعبي عن مسروق قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود: (ليس عام إلا والذي بعده شر منه. لا أقول عام أمطر من عام،ولا عام أخصب من عام،ولا أمير خير من أمير لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور، بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم 5.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البخاري: الديات (6882).
2 الزيادة التي بين القوسين وردت في مخطوطتي المفتي والحصين.
3 زيادة (أنه) في مخطوطة عبد الرحمن الحصين والضمير عائد على حذيفة.
4 مجالد بن سعيد (باللام) كما هو نص كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح.
5 هذا نص الأثر في كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح.
ص -209- باب تفسير الإسلام
وقول الله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} 1.
وفي الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" 2. وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" 3.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال:"أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة" رواه أحمد.
وعن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال:"أن تسلم قلبك لله، ويسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت" 4.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة آل عمران آية: 20.
2 مسلم: الإيمان (8) , والترمذي: الإيمان (2610) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (4990) , وأبو داود: السنة (4695) , وابن ماجه: المقدمة (63) , وأحمد (1/27 ,1/51 ,1/52).
3 البخاري: الإيمان (10) , ومسلم: الإيمان (40) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (4996) , وأبو داود: الجهاد (2481) , وأحمد (2/159 ,2/162 ,2/187 ,2/191 ,2/192 ,2/193 ,2/194 ,2/205 ,2/209 ,2/212 ,2/215 ,2/224) , والدارمي: الرقاق (2716).
4 أحمد (4/114).
ص -210- باب قوله تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}1
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة. فيقول: إنك على خير. ثم تجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة. فيقول: إنك على خير. ثم يجيء الصيام فيقول: يا رب أنا الصيام. فيقول: إنك على خير. ثم تجيء الأعمال على ذلك، فيقول: إنك على خير. ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام، وأنا الإسلام. فيقول: إنك على خير، بك اليوم آخذ، وبك أعطي. قال الله تعالى في كتابه:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}2 رواه أحمد.
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" 3 رواه أحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة آل عمران آية: 85.
2 سورة آل عمران آية: 85.
3 البخاري: الصلح (2697) , ومسلم: الأقضية (1718) , وأبو داود: السنة (4606) , وابن ماجه: المقدمة (14) , وأحمد (6/73 ,6/146 ,6/180 ,6/240 ,6/256 ,6/270).
ص -211- باب وجوب الاستغناء بمتابعته، يعني القرآن 1
وقول الله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} 2. روى النسائي: "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهرأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فقال: أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لو كان موسى حيا واتبعتموه وتركتموني، ضللتم" 3 وفي رواية: "لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. فقال عمر: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هكذا ورد في مخطوطة الشيخ محمد بن عبد اللطيف وفي مخطوطة عبد الرحمن الحصين (وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه) وفي مخطوطة المفتي "وجوب الاستغناء بمتابعته عن كل ما سواه".
2 سورة النحل آية: 89.
3 أحمد (3/387).
ص -212- باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام
وقوله تعالى:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} 1.
عن الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد والهجرة، والجماعة. فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يراجع. ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم. فقال رجل يا رسول الله: وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام. فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله" 2 رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وفي الصحيح: "من فارق الجماعة شبرا فميتته جاهلية" 3 وفيه: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟" قال أبو العباس كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال صلى الله عليه وسلم: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ وغضب لذلك غضبا شديدا انتهى كلامه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الحج آية: 78.
2 أحمد (5/344).
3 صحيح البخاري: كتاب الفتن (7054) , وصحيح مسلم: كتاب الإمارة (1849) , وسنن أبي داود: كتاب السنة (4758) , ومسند أحمد (5/180).