إقامة البرهان في الرد على من أنكر خروج المهدي والدجال
ونزول المسيح في آخر الزمان
للشيخ / حمود بن عبد الله التويجري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين ، وبعد :
فقد رأيت في المجلة المسماة [ المسلمون ] مقالا لعبدالكريم الخطيب أنكر فيه ما أخبر به رسول اللهr من ظهور المهدي في آخر الزمان ، وما أخبر به من خروج الدجال ، ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام ، وهذه جراءة عظيمة وخطيرة جدا ، لأن إنكار الأحاديث الثابتة عن النبيr ، ومقابلتها بالرد والاطراح ، يدل على الاستخفاف بأقوال رسول اللهr ، ويستلزم مشاقته واتباع غير سبيل المؤمنين ، وقد قال الله تعالى :{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } وقال تعالى :{ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } وليس إنكار الأحاديث الثابتة عن النبيr بالأمـر الهين ، لأن الله تعالى يقول :{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب } .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللهr قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) . وهذا يدل على وجوب الإيمان بكل ما أخبر به رسول اللهr مما كان في الماضي ، وما يكون في المستقبل ، ويدل أيضا على أن عصمة الدم والمال إنما تكون لمن آمن بالرسولr ، وبكل ما جاء به ، ومن لم يؤمن به وبما جاء به فليس بمعصوم الدم والمال ، وفي هذا أبلغ تشديد على من يرد الأحاديث الثابتة عن النبيr ، ويعارضها برأيه أو برأي غيره .
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : من رد حديث رسول اللهr فهو على شفا هلكة . وقال إسحاق بن راهوية : من بلغه عن رسول اللهr خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر . وقال أبو محمد البربهاري في شرح السنة : إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها ، أو ينكر شيئا من أخبار رسول اللهr فاتهمه على الإسلام فإنه رجل رديء المذهب والقول ، وإنما يطعن على رسول اللهr وعلى أصحابه . وقال أيضا : لا يخرج أحد من أهل القبلة عن الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل ، أو يرد شيئا من آثار رسول اللهr ، أو يصلي لغير الله ، أو يذبح لغير الله ، فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام . وقال أيضا : من رد آية من كتاب الله فقد رد الكتاب كله ، ومن رد حديثا عن رسول اللهr فقد رد الأثر كله وهو كافر بالله العظيم .
وقال إبراهيم بن أحمد بن شاقلا : من خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل موصولة بلا قطع في سندها ، ولا جرح في ناقليها وتجرأ على ردها فقد تهجم على رد الإسلام . وقال ابن حزم في كتاب الأحكام : جاء النص ثم لم يختلف فيه مسلمان في أن ما صح عن رسول اللهr أنه قاله ففرض اتباعه ، وأنه تفسير لمراد الله في القرآن وبيان مجمله . انتهى .
وإذا علم ما ذكرته من الآيات والحديث وأقوال أهل العلم في التشديد على الذين يردون الأحاديث الثابتة عن النبيr ، فليعلم أيضا أنه قد ثبت في ظهور المهدي في آخر الزمان عشرة أحاديث ، وقد ذكرتهـا وذكرت كـلام العلماء في تصحيحها في أول كتاب ( الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر ) فلتراجع هناك .
وأما خروج الدجال فقد جاء فيه أكثر من مائة وتسعين حديثا من الصحاح والحسان ، وقد ذكرتها في الجزء الثاني من ( إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة ) فلتراجع هناك . وقد تواترت الأحاديث في خروج الدجال من وجوه متعددة ذكرتها في ( إتحاف الجماعة ) ولو لم يكن منها سوى الأمر بالاستعاذة من فتنة الدجال في كل صلاة لكان ذلك كافيا في إثبات خروجه ، والرد على من أنكر ذلك ، وقد روى عبدالرزاق بإسناد حسن ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إنه سيخرج بعدكم قوم يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ويكذبون بالحوض ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بقوم يخرجون من النار . وهذا الأثر له حكم المرفوع لأن فيه إخبارا عن أمر غيبي وذلك لا يقال من قبل الرأي ، وإنما يقال عن توقيف .
وقد ظهر مصداق ما جاء فيه من التكذيب بالدجال وغيره ، فأنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية ، وردوا الأحاديث الواردة فيه ، ذكر ذلك ابن كثير في النهاية قال : وخرجوا بذلك عن حيز العلماء لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة عن رسول اللهr ، وذكر النووي في شرح مسلم أن مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار إثبات خـروج الدجال خلافا لمن أنكره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة . انتهى .
وقد تبع الخوارج والجهمية والمعتزلة على إنكار خروج الدجال كثير من المنتسبين إلى العلم في زماننا وقبله بزمان ، وأنكر بعضهم كثيرا من أشراط الساعة مما هو ثابت عن النبيr ، وبعضهم يتأولها على ما يوافق عقليته الفاسدة ، وقد ذكرت بعض أقوالهم في ( إتحاف الجماعة ) فلتراجع هناك . ولو كان الذين أشرنا إليهم أهل علم على الحقيقة لما ردوا شيئا من الأحاديث الثابتة عن النبيr ، ولكانوا يقابلونها بالرضا والقبول والتسليم .
وأما نزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام في آخر الزمان ، فقد جاء فيه آيات من القرآن ، وتواترت الأحاديث عن النبيr بالإخبار بنزوله ، وأنه يقتل الدجال ويكون في هذه الأمة حكما عدلا وإماما مقسطا ، وجاء في ذلك آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين ، وذكر بعضهم الإجماع على نزوله ، وأنه لم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة ، وإنما أنكره الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافهم ، وقد ذكرت ذلك مستوفى في ( إتحاف الجماعة ) فليراجع هناك .
وأما ما جاء في العنوان الأول عن نزول عيسى في آخر لزمان هو حقيقة يؤكدها القرآن أم مسألة تتنافى مع الإسلام ؟
فجوابه أن يقال : بل نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخـر الزمان حقيقة يؤكدها القرآن ، قال الله تعالى في صفة رسولهr :{ وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى } وقد تواترت عن النبيr أنه أخبر بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخـر الزمـان ، فيجب الإيمان بذلك لقول الله تعالى :{ وما آتاكم الرسول فخذوه }وقد جاء في ذلك آيتان من القرآن :
إحداهما :قول الله تعالى :{ وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } قال ابن عباس رضي الله عنهما : قبل موت عيسى بن مريم . رواه ابن جرير بإسناد صحيح . وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال : خروج عيسى بن مريم . قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين . ووافقه الذهبي في تلخيصه . وروى أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال : يعني أنه سيدركه أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى فيؤمنون به . وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما .