اختلاف العلماء في بيع الغائب المضمون بالصفة
قال مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور لا بأس بشراء2 الموصوف المضمون على بائعه فيما سنذكره في كتابنا هذا في أماكنه إن شاء الله وهو السلم.
وقال سعيد بن المسيب لا يجوز السلم في شيء من الأشياء أخبرني بذلك يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث ابن سعد عن يحيى بن سعيد قال كان الناس يخالفون سعيد بن المسيب في عشر خصال قد عرفوه كان يقول لا يسلف في شيء من الأشياء ثم ذكر الخصال3 العشر وقد روي عن سعيد خلاف هذا القول "حدثنا محمد ابن بشار" قال "حدثنا أبو عامر عن4 سفيان عن علقمة بن مرثد عن
ـــــــ
1 علي الهامش.
2 قوله: الموصوف: كتب علي الهامش.
3 ن: العشرة.
4 لعله الثوري.
(1/93)
رزين1 الأحمري عن سعيد بن المسيب" قال في السلف في الثياب والحنطة2 بذرع معلوم وكيل معلوم ليس به بأس.
وعلة مجوزي السلم ما "حدثنا به سفيان بن وكيع" قال "حدثنا ابن عليه" "وحدثنا أبو كريب" قال "حدثنا وكيع عن3 سفيان واللفظ لسفيان جميعا عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس" قال قدم النبي صلي الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في4 الثمر العام والعامين والثلاثة فقال: "من أسلم ثمرا فليسلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم" .
"حدثني أبو عيسى موسى بن عبد الرحمن المسروقي" قال "حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة" قال "حدثنا أبو اسحق الشيباني عن5 محمد بن أبي المجالد" قال أرسلني أبو بردة الأشعري وعبد الله6 بن شداد إلى عبد الله بن أبي أوفى فقالا سله هل كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم على عهد رسول الله عليه السلام يسلفون في الحنطة والشعير والزبيب فقال عبد الله كنا نسلم إلى نبط الشام في الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل معلوم فقلت فمن كان له زرع قال لم نسألهم عن ذلك قال ثم أرسلاني إلى عبد الرحمن بن ابزى فسألته عن مثل ذلك فرد مثل رده فقال إن كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يسلفون في كيل معلوم إلى أجل معلوم ولم نكن نسألهم ألهم حرث أم لا.
وعلة من ذهب مذهب سعيد بن المسيب ما "حدثنا به حميد بن مسعدة السامي" قال "حدثنا يزيد بن زريع عن أيوب عن عمرو بن
ـــــــ
1 الأحمر.
2 ن: ذرع.
3 لعله: الثوري يفرقه.
4 وفي بعض روايات هذا الحديثبالمثناة.
5 يختلف في اسمه: قيل اسمه محمد كما هاهنا وقيل اسمه عبدالله.
6 ن: وعبدالله إلي الخ: كأنه يعني عبدالله بن أبي بردة وإنما هو عبدالله بن شداد بن الهادي كما في سائر الروايات.
(1/94)
شعيب عن أبيه عن جده" عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال لا يحل بيع ما ليس عندك.
قال أبو جعفر وهذا محتمل أن يكون نهيا عن بيع ما ليس عنده من الأعيان التي ليست مضمونة عليه وليس يستحيل أن ينهى عن بيع ما ليس عنده مما لم يكن مضمونا عليه ويجيز ما كان مضمونا عليه بصفة وإذا كان ذلك جائزا كان المفسر مبينا عن المجمل1.
ـــــــ
1 وهذا شبيه بما قله الإمام الشافعي في رسالته في صفحة 82 من طبعة 1310 وفي ص 91 من طبعة 1312.
(1/95)
ذكر اختلاف مجوزي السلم في فروعه: واختلفوا في الثمن هل يجوز أن يكون مجهولا؟
...
ذكر اختلاف مجوزي السلم في فروعه
أجمع مجوزو السلم جميعا أنه لا يجوز السلم إلا في موصوف معلوم بالصفة.
واختلفوا في الثمن هل يجوز أن يكون مجهولا؟
ففي قول مالك إنه لا يجوز الثمن أن يكون إلا معلوما "حدثنا بذلك يونس عن ابن وهب عنه".
وهو قول الثوري "حدثنا بذلك علي عن زيد عنه".
وهو قول الشافعي "حدثنا بذلك عنه الربيع" وأبي حنيفة وأبي ثور.
وعلتهم في ذلك أن للمشتري أخذ ما أعطى البائع إن حل حقه ولم يصب عنده ما اشترى منه فإذا كان مجهولا لم يدر بما يرجع.
(1/95)
وقال أبو يوسف السلم جائز وإن كان الثمن مجهولا.
وعلته أن المسلمين قد أجمعوا على بيع الأعيان بالأثمان المجهولة مثل صبرة من طعام بصبرة من تمر وهما مجهولا الكيل والوزن فكذلك الثمن إذا كان مجهولا في 1السلم فجائز إذا كان المشتري المسلم فيه معلوما.
وإنما خالف السلم بيع الأعيان في أن أحدهما دين والآخر عين ويفسد عليه هذه العلة إجماعهم على أنه لا يجوز بيع العين بالثمن المجهول إلى أجل فكذلك الثمن إذا كان مجهولا في المشتري إلى أجل لأن كل واحد من العرضين ثمن الآخر.
ـــــــ
1 أي وكذلك: يحتمل أن يكون صوبه: وفي السلم.
(1/96)
واختلفوا في السلم إلى الأجل المجهول وفي الشي حالا
فقال مالك وسئل عن السلف في الثياب والدواب إلى يومين وثلاثة فقال هذا جائز وغيره أحسن منه أن يسلف في الشيء البعيد وينتفع البائع بما أخذه من الثمن أخبرني يونس عن ابن وهب عنه وأخبرني عنه عن مالك في موضع آخر إنه قال في الذي يسلف في الثياب إلى يومين أو ثلاثة فقال ما هكذا يكون السلف إلى يومين أو ثلاثة ألا تسمع ما قال الله عز وجل: 1 {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} فهذا أجل مسمى فلم نر اليومين والثلاثة من الأسلاف إلى الآجال.
وسئل عن رجل سلف رجلا ذهبا في طعام مضمون إلى عشرة أيام فقال ما أرى بأسا.
وقال الأوزاعي إن أنت سميت أجلا دون الثلاثة أيام فهو بيع النقد
ـــــــ
1 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} الآية 282 البقرة.
(1/96)
وليس بسلف وإن أنت سميت فيه أجلا ثلاثة فهو بيع السلف يصلحه ما يصلح السلف ويفسده ما يفسد السلف "حدثت بذلك عن الوليد عنه".
وقال الثوري السلف أن تسلف دنانيرك ودراهمك في كيل معلوم إلى أجل معلوم "حدثني بذلك علي عن زيد" عنه.
1وقال الشافعي:2 أحب إلي ألا يسلف3 جزافا من ذهب ولا فضة ولا طعام ولا ثياب ولا شيء ولا يسلف4 شيء حتى يكون موصوفا فإن كان دينارا5 فبسكته وجودته ووزنه وإن كان درهما فكذلك6 وبانه وضح أو أسود أو ما يعرف به7 وكذلك الأثمان كلها لا تجزي في رأيي إلا أن تكون موصوفة كلها8. 9وإذا أجاز رسول الله صلي الله عليه وسلم بيع الطعام بصفة إلى أجل كان والله أعلم بيع الطعام بصفة حالا10 أجوز لأنه ليس في البيع11 بصفة معنى إلا أن يكون12 مضمونا على صاحبه فإذا ضمن13 مؤخرا
ـــــــ
1 أم: باب الأجال في الصرف.
2 أم: قال: وأحب.
3 أم: جزاف.
4 ن: سيا.
5 أم: فسكته.
6 أم مد: وزآنه.
7 إلي: كلها: مختصر قول الإمام في الأم.
8 مززني: مختصر البيوع: باب السلف والرهن والنهي عن بيع ما ليس عندك: قال المزني: والذي اختار الشافعي أن لا يسلف جزافا من ثياب ولا غيرها ولو كان
درهما حتي يصفه بوزنه وسكته بأنه وضح أو أسود كما يصف ما أسلم فيه.
9 أم: باب السلف: قال الشافعي: فإذا أجاز.
10 ام مد: أجاز.
11 أم: البيع معني.
12 أم: بصفة مضمونا.
13 ن: مؤخرا معجلا.
(1/97)
ضمن معجلا1 والأعجل2 منه أخرج من معنى الغرر3.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز السلم إلا أن يكون إلى أجل معلوم وإن قل ذلك فإن كان حالا فباطل.
ـــــــ
1 أم ق: وكان معجلا أعجل منه مؤخرا: أم مد: وكان أعجل منه مؤخرا.
2 أم ق: والأعجل اخرج: أم مد:والأعجل: أحرج.
3 أم: وهومجامع له في أنه مضمون علي بائعه بصفة.
(1/98)
واختلفوا فيه إذا لم يبين المكان الذي يقضي فيه
فقال الأوزاعي وسئل فقيل له رجل أسلف في طعام موصوف وكيل مسمى وأجل مسمى ولم يذكر أن يوفيه بمكان كذا قال هو مكروه "حدثت بذلك عن الوليد عنه" 1قلت فيفسد السلف2 إذا اشترطه عليه بمكان كذا قال لا ولكن يقول أسلفك على كذا توفيني إياه بدمشق قلت له أو قيل ولم لا تجعله إذا لم يسميا مكانا أن3 يجعله في مكانهما الذي أسلف إليه فيه قال لا يجوز أرأيت لو أسلفت إليه وأنتما في البحر أو جزيرة في البحر كان يعطيه ثم.
وقال الثوري إذا اسلفت في طعام فسم المكان الذي يدفعه4 إليك فيه "حدثني بذلك علي عن زيد عنه"
وقال الشافعي:5 أحب إلي أن يشترط الموضع الذي6 يعطيه فيه
ـــــــ
1 أي الوليد.
2 لعل صوابه: إلا إذا اشترطه.
3 ن: يجعله.
4 ن: إليه.
5 أم: باب ما يجوز من السلف: قال الشافعي: وأحب أن.
6 أم: يقضيه.
المصدر
الموسوعة الفقهية الكبرى
كتاب مسلم