سورة القمر
*تناسب خواتيم النجم مع فواتح القمر*
في خاتمة النجم (أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)) الكلام عن الساعة وفي القمر (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1))، أزفت الآزفة الكلام عن الساعة و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)) (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)) الكلام عن الساعة، الآزفة هي ما ذكرها وبيّنها في بداية سورة القمر، الآزفة هي الساعة وأزفت الآزفة يعني اقتربت وقال اقتربت الساعة.
(أزفت الآزفة) (اقتربت الساعة) أليس يعتبر هذا صورة من صور التكرار؟ الدلالة واحدة لكن الأسلوب في التعبير مختلف؟ كلا، هو ذكر في سورة القمر ما لم يذكره في النجم، هناك إشارة وهنا توضيح، هناك لم يقل (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) وهنا بيّنها، هناك لم يقل وانشق القمر ذكر أموراً لم يذكرها، هناك ذكر كلاماً عاماً وهنا ذكر توضيحاً لما ذكره فيما تقدم كأنها مقدمة (أزفت الآزفة) هذه مجرد إشارة، إذن في النجم إشارة وفي القمر توضيح (يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)) هذه لم تذكر في النجم، كأنه تبيين لما ذكره، كأنما هي بعدها في التوضيح وكأنها من سورة واحدة متصلة.
**هدف السورة : التعرّف على الله من خلال النقم**
هذه السورة تتحدث بمعظم آياتها على نماذج لمن كذّب بآيات القرآن وتحمل السورة طابع التهديد والوعيد والإنذار مع صور شتّى من مشاهد العذاب والدمار. وقد تكرر فيها ذكر (فكيف كان عذابي ونذر) وكذلك (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) وتحدثت عن قوم نوح (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) آية 12، وقوم عاد (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ) آية 19، وقوم ثمود (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) آية 31، وقوم لوط: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ) آية 34، وآل فرعون: (كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ) آية 42. وكلها تتحدث عن كيفية غضب الله تعالى لنتعرف عليه من خلال النقم التي لحقت بمن كذّب بهذا القرآن. وقد ختمت السورة بآية بيّنت مآل السعداء المتقين لتحافظ على توازن اسلوب القرآن في الترغيب والترهيب (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) آية 54.
***من اللمسات البيانية فى سورة القمر ***
آية (6):
* ما الفرق بين نُكر ونُكُر (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) القمر)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) القمر) جاءت نُكُر بضم الكاف هنا ولا تصلح هنا مع الفاصلة أن تأتي نُكر وفي الحقيقة أن صيغة فُعُل غير صيغة فُعْل بتسكين العين ولكا منها دلالة خاصة. يقال باب فُتُح أي مفتّح لا يُغلق ويقال من وجد باباً مُغلقاً فإن هناك بابًفُتُحا هو باب الله. ويقال قارورة فُتُح أي ليس لها غطاء أصلاً.
صيغة فُعُل أبلغ من فُعْل لأن فيها توالي ضمّتان ونُكُر أبلغ وأشد في النكارة من نُكر بتسكين الكاف ولو لاحظنا ما ورد في الآيات التي فيها نُكر ونُكُر نجد أنه صحيح أن الفاصلة تقتضي كلاً من التعبيرين والعبارتين أو الوزنين لكن الدلالة تختلف.
في قوله تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) القمر) هذه في الآخرة وهي غير مألوفة والصوت الذي يدعوهم إلى الخروج غير مألوف فالأمر مُستغرب زلم يسمعوا به والدعور هائلةوالأمر غير مألوف فيما سبق من حياتهم (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)) ليس له نظير فجاء بـ (نُكُر) شديد النكارة ولم يقل نُكر بتسكين الكاف.
أما في قوله تعالى (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)) في سورة الكهف لم يقل نُكُراً علماً أن الحديث في الآخرة أيضاً وهذا لسببين:
أولاً قال (أما من ظلم) ولم يقل من كفر وليس بالضرورة أن الظالم هو كافر كل كافر ظالم وليس كل ظالم كافر.
والأمر الآخر أنه قال (فسوف نعذّبه) إذن سينال عذاباً في الدنيا فإذا كلن العذاب مُجزياً في الدنيا سقط عنه في الآخرة وإذا لم يكن مجزياً عُذب في الآخرة. وإذا قام على أحد الحدّ في الدنيا لا يُعذب في الآخرة. فهذا العذاب نكارته ليس بتلك الشدة التي في آية سورة
أما في قوله تعالى (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)) قتل النفس في الأرض كثير وليس مستغرباً كالأمر في آية سورة . فالقتل يحصل رغم استنكاره.
وفي قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) الطلاق) هذا في الدنيا كالصيحة أو الخسف أو غيرها وليس في الآخرة وليست بنكارة ما في الآخرة.
واختلاف الصيغ كثير منها عسِر وعسير لكا منهما دلالة خاصة وطويل وطوال تقال مثلاً إذا كان شخصان كلاهما طويل لكن أحدهم أطول من الآخر فيقال له طوال إذا كان بالغ الطول.
آية (7):
*ما الفرق بين خشعاً ابصارهم وخاشعة أبصارهم وأبصارها خاشعة (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) القمر)، (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44) المعارج)، (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) القلم) (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) النازعات)؟(د.فاضل السامرائى)
خُشّع هذا الجمع على وزن فُعّل. والخشوع هو الإنكسار والذلة ويكون للإنسان عموماً وللقلوب وللأبصار والوجوه (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) الغاشية) يظهر فيها الذلة والإنكسار، (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) المؤمنون) خشوع عام في القلب والجوارح. خُشّع جمع مفردها خاشع مثل سُجّد ساجد. قال خاشعة أبصارهم وخشّعاً أبصارهم، في الايتين في السؤال (خاشعة أبصارهم) (خشعاً أبصارهم) خشع جمع على وزن فعل هذا الوزن يفيد التكثير والمبالغة نظير قولنا في المبالغة مثل قُلّب، نقول هذا رجُل قُلّب أي كثير التقلب وسريع التقلب، وبَرْق خُلّب أي ليس فيه مطر، ورجُل حُوّل أي كثير التحوّل. هذه من صيغ المبالغة وهي أكثر من فُعَلة هُمزة لُمزة. في المفرد من صيغ المبالغة، هذه جمع خشعاً ابصارهم أي فيها مبالغة الخشوع. هذا المعنى اتضح الفرق بين خاشع وخُشّع، خاشعة إسم فاعل وخُشّع هي جمع يفيد التكثير ومفرده في الأصل على وزن فُعل يفيد المبالغة والتكثير مثل خُلّب وقُلّب. هذا الفرق في الدلالة، يبقى سبب الإختيار لماذا هنا قال خُشّعاً وهنا خاشعة؟ نقرأ الآية في سورة القمر (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)) أولاً قال (شيء نكر) نُكُر أي شديد النكارة غير مألوف ولا معروف صيغة فُعُل من صيغ المبالغة الدالة على شدة النكارة غير المألوفة وغير المعروفة، هذا واحد ثم تقديم الحال (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ) وفي الآية الثانية كلها مؤخرة (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)) الحال متأخرة بينما في القمر الحالة المتقدمة لشدة الأمر (خشعاً) حال دالة على الكثرة وشيء نكر ومتقدمة. (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) القلم) مهطعين أي مسرعين مادّي أعناقهم خائفين ولم يذكر في الآية الثانية مثل هذه الأشياء. (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) كلها تدل على الموقف والهول وشدة النكارة فقال (خشعاً أبصارهم) فجاء بالصيغة التي تدل على الكثرة والمبالغة وقدّمها. أقصى ما قال في الآية الثانية في سورة المعارج (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) هذه يشاهدونها، يسرعون إلى أصنامهم حالة مألوفة لكن لما قال (إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) هذا غير مألوف شديد النكارة غير معروف (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)) أيها الإنسب لمن يعرف اللغة أين نضع خشعاً وخاشعة؟ يضعها في مكانها هذه موازين كالمعادلة الرياضية قدم خشعاً وخاشعة على الإبصار أما في آية (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) النازعات)هذه إخبار مبتدأ وخبر.
*وردت كلمة أجداث في القرآن ثلاث مرات والقبور ثماني مرات فما هناك فرق بين الجدث والقبر؟(د.حسام النعيمى)
حقيقة هم يقولون لما نأتي إلى معجمات اللغة أي معجم يعني من اللسان إلى الصحاح الواسعة والموجزة يقول لك: الجدث القبر فالأجداث القبور. لكن السؤال لماذا استعمل القرآن الأجداث هنا ولم يستعمل القبور؟ صحيح الأجداث هي القبور لكن نريد أن نعرف حقيقة كان بإمكان القرآن أن يقول (يخرجون من القبور) بدل ما يقولون (من الأجداث) طبعاً علماء اللغة يقولون القبر عام عند العرب كلمة قد يستعملها قبائل اليمن قبائل العرب وما بينهما وقبائل الشام. أما الجدث فالأصل فيه أنه لهذيل. هذيل قبيلة في وسط الجزيرة يعني من القبائل التي اُخِذ منها العربية وتميم أيضاً في وسط الجزيرة لكن الفرق أن الهُذلي يقول جدث بالثاء والتميمي يوقل حدف بالفاء. لاحظ تقارب الثاء والفاء، قريش أخذت من هذيل وصارت تستعملها ونزل القرآن بها. هؤلاء الذين في وسط الصحراء أرضهم رملية فتخيل عندما ينشق القبر تتشقق هذه القبور وكلها رمال ماذا سيكون؟ سيكون نوع من طيران الرمال في الجو لتشققها هذا يتناسب مع صوت الثاء بما فيه من نفث. لما نقول جدث وأجداث الثاء فيه نفخ بخلاف قبر وقبور فيها شدة، فيها حركة لكن فيها شدة ليس فيها هذه الضوضاء ولذلك لم يستعمل الأجداث إلا في بيان مشاهد يوم القيامة بينما كلمة قبر وقبور استعملت في الدنيا والآخرة (إذا القبور بعثرت) يعني ما صوّر لنا الصورة. لاحظ الصور أنا جمعت الآيات الثلاث: هي في ثلاثة مواضع وكلها في الكلام على النشور يوم القيامة وعلى الخروج من القبور أو من الأجداث،
الآية الأولى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) يس): يعني جماعات جماعات أفواج ينسلون يتجهون يسرعون في الخروج.
الآية الثانية (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) القمر): ايضاً يوم القيامة وأيضاً فيه هذا الانتشار وسرعة الحركة للجراد كأنهم جراد منتشر.
الآية الثالثة (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) المعارج): هذا كله في مشهد يوم القيامة في الحركة والانتفاض. لم تستعمل كلمة جدث وما استعمل أي اشتقاق من اشتقاقاتها استعمل فقط أجداث.وفي هذه الصورة صورة مشهد يوم القيامة. بينما كلمة قبر لأنها عامة استعمل منها الفعل (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) عبس) واستعمل المفرد (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) التوبة) هذا في الدنيا، المقابر في الدنيا، القبور وردت خمس مرات.
آية (8):
* ما دلالة استحدام صيغة (عَسِر) في آية (8)سورة القمر؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة القمر (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)).
من أوزان الصفة المشبّهة فعِل وفعيل فتأتي هاتين الصفتين للمبالغة أو صفة مشبّهة، يُقال فرِح وطويل.
وعَسِر غير عسير والكم في موضوع الصيغة المشبهة ودلالاتها ومعانيها طويل لكن نتحدث عنه بشكل موجز هنا. نقول مثلاً صيغة أفعل مثل أحمر تستعمل للنعوت والحُلى الظاهرة.
عسِر تستعمل للأشياء الداخلية، بينما أعسر تستعمل للصفات الظاهرة والجسمية.
مثل شريف وأشرف: أشرف تعمي المرتفِع الكتفين، وكذلك رئيس وأرأس بمعنى رأسه كبير. مليح بمعنى جميل وأملح بمعنى أبيض اللون. أسِف (فرجع موسى غضبان أسِفا) من الاندفاع وجاء في قول عائشة عن أبيها (إن أبا بكر رجل أسيف) هذه ليست حالة عارضة وإنما وصف له. وكذلك كبمة بطِن (بمعنى لا يهمه إلا بطنه) وبطين (بمعنى كبير البطن واسعه)، نشِط (مندفع وهي حالة اندفاعية) أما نشيط فهي صفة عامة.
فكلمة عَسِر غير عسير فيقال عسِر عليه الأمر فهو عسيِر فالأمر خاص به قد يكون عسِراً عليه لكنه ليس كذلك على غيره فقد يعسر أمر ما على طفل ولا يعسر على من هو أكبر منه.
أما عسُر الأمر : الوصف فيه عسير ويدل على الثبوت خِلقة أو اكتساباً (طويل، خطيب) ويُقال فقُه الرجل فهو فقيه (حالة ثبات) ويقال فقِه الرجل المسألة (تحديداً وليس على الاطلاق) فهو لها فاقِه أو فقِه.
فكلمة عسير تقال عندما يكون الأمر عسير في ذاته صعب أما عسِر فهو نسبي. وقد وصف تعالى قول الكافرين الذين يقولون (هذا يوم عسِر) لأنه نسبي لهم والله تعالى ييسره على من يشاء. هو لا شك يوم عسير كما وصفه تعالى في سورة المدّثر (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)) فهو على الكافرين عسير لكن قد لا يكون كذلك على غيرهم. ولو لم يحدد الله تعالى أنه عسير على الكافرين لكان عسيراً على الكل.
فكلمة عسِر وعسير اشتقاقهما من مادة واحدة (ع س ر) لكن المعنى اختلف باختلاف الصيغة. عسِر وعسير وأعسر كلها صفات مشبهة لكن لكل منها معنى مختلفاً عن الأخرى.
آية (11):
*قال تعالى(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) هود)في موقع آخر قال (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) القمر) لم هنا قدم السماء على الأرض؟
في سورة القمر (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ). حتى تستكمل القصة لماذا بدأ بها (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) القمر) الآية هي (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) دعا ربه والداعي تفتح له أبواب السماء، دعا ربه ففتح أبواب السماء بماء منهمر هذه الإجابة كانت فعلية، الدعوة تفتح لها أبواب السماء دعا ربه ففتحنا أبواب السماء هذه الإجابة، في سورة هود ليس هناك أصلاً دعاء؟ (فَدَعَا رَبَّهُ) هذه الإجابة والفاء للسرعة، هذه الإجابة لم يقل فتح أبواب السماء لدعوته فاستجبنا له وإنما قال (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ). في سورة هود ليس هناك دعاء (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ (40) هود).
آية (13):
* لماذا جاء وصف السفينة في سورة القمر على هذا النحو (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)) ولم يستعمل الفلك أو السفينة؟ (د.حسام النعيمى)
يأتي بنا إلى الكلام على ما أطلق العلماء عليه الفاصلة القرآنية. العربي يميل بطبعه إلى رتابة النهايات في الجُمل لذلك جاء عنده السجع والسجع يراه كلاماً عالياً لما يكون الكلام مسجوع في النثر، والسجع هو أن تنهي الجمل بحرف واحد مثلما قال: من مات فات وكل ما هو آتٍ آت. وفي الشعر هناك القافية، حرف الرويّ الذي هو فيها ملازم لحرف واحد يأتي. هذه طبيعة قبائل العرب يميلون إلى ذلك، يأنسون به، يرون فيه نوعاً – على قولهم- من الموسيقى يأنسون لها، هذه الرتابة كأنها رتابة سير الجمل يرفع قدمه ثم تستقر في موضع واحد.
هذه السورة لما نأتي إلى القرآن الكريم نجد نهايات الآيات أو ما يسمى برؤوس الآي تلزم في كثير من الأحيان حرفاً واحداً علماؤنا تحرّجوا أن يسمونه سجعاً أو أن يسموا ذلك قافية إبتعاداً بالقرآن عن لفظ السجع والقافية لأنه من كلام البشر فأطلقوا عليه كلمة الفاصلة القرآنية، فواصل القرآن فجاءت على ما يأنس به العربي. لكن هل كانت الفاصلة مرادة لذاتها من غير علاقة بالمعنى؟ الجواب قطعاً لا ولذلك – لعلنا ذكرنا هذا مرة – إذا كان المعنى يقتضي التضحية بالفاصلة فالآية تضحّي بالفاصلة. أمامنا نموذج، مثال، (إستطراد من المقدم سأل عن سورة الضحى فأجاب الدكتور أن سورة الضحى لم يضحي بالفاصلة وإنما أراد الفاصلة لكنه مرتبط بالمعنى لما قال (ما ودعك ربك وما قلى) ما قال ما قلاك، حصل على الفاصلة لكن في الوقت نفسه نزّه ضمير الرسول r من أن يرتبط بالقلا الذي هو البغض) .
(وحملناه على ذات ألواح ودُسُر): الدُسُر جمع دسار مثل كتب وكتاب والدسر أو الدسار العربي يستعملها لمعنى المسمار لأن أصل دسر بمعنى أدخل بقوة أو شدّ بقوة. إن أراد الإنسان أن يربط خشبتين بحبل لا بد أن تربط بقوة، فهذه العملية يقولون دسر فإما بمعنى المسمار وإما بمعنى الحبل وقسم يقول حبل الليف على وجه الخصوص والظاهر أنه الليف لأن هذه الخيوط المترابطة التي تحتضن النخلة وتحصر السعف حتى لا يتساقط، فهذا ينسجون منه الحِبال. (حملناه على ذات ألواح ودسر) ذات ألواح ودسر يعني الفلك لكن لم يذكرها وإنما ذكر الصفة. حذف الموصوف وذكر الصفة. لدينا منه أمثلة: بيت للمتنبي الذي كان فارساً شاعراً وقتله بيتٌ من الشعر، قال:
مفرشي صهوة الحصان ولكن قميصي مسرودةٌ من حديد
مفرشي صهوة الحصان (المكان الذي يوضع عيله السرج) أي أنا هناك حتى من غير سرج ولكن قميصي (القميص مذكّر) مسرودة بالحديد (مؤنث). كيف يقول المتنبي قميصي مسرودة؟ قال: هو ما أراد القميص وإنما أراد أن يقول قميصي درعٌ مسرودة من حديد فحذف الموصوف وأبقى الصفة على غرار الآية :وحملناه على فلك هي ألواح ودسر.
لِمَ لم يقل فلك مع أنه استعمل الفلك (ويصنع الفلك)؟ لو نظرنا إلى الجو العام جو رعب، جو خوف (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) القمر) كأن السماء من حيث نظر الإنسان يرى باباً مفتوحاً من الماء، ما قال غيث لأن الإنسان لما يسمع كلمة مطر أو غيث يتخيل نقاطاً، قطرات، هذا ماء منهمر الذي يقولون عنه كأفواه القِرَب المفتوحة. (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) القمر) يعني كل ذرة من الأرض انفجرت عيوناً، الأرض كلها صارت عيوناً، (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ (42) هود) معناه هناك ريح تعصف بحيث تضرب الماء فيرتفع الماء فيكون أمواجاً هذا شيء مخيف. لو قال في فلك، الفلك مكان آمن خاصة إذا إستعمل (في)، الإنسان آمن في داخل السفينة. لكن أراد أن يقوي صورة الخوف والرعب فقال (على ذات ألواح ودسر) هي عبارة عن ألواح مشدودة وقال (وحملناه على ) ما قال (في) فلما يتخيل الإنسان هذا المشهد، هو فوق ألواح ودسر وهذا الماء بهذا الشكل يزداد رعباً ويتذكر أن ذلك قدرة الله سبحانه وتعالى كيف حمل نوحاً ومن معه على هذه الألواح والدُسُر. هذا المعنى يفوت لو قيل في غير القرآن وحملناه على فلك أو في فلك أو في سفينة أو على السفينة يضيع هذا المعنى وإلا القرآن قادر أن يقول وحملناه في فلك ويضحي بالفاصلة كما ضحى بها في (وهو يهدي السبيل)، لكن الصورة تختلف. تخيل الإنسان الذي تقدّم بالعمر يتذكر أن أناساً كانوا ينقلون بضائعهم بين المدن التي على النهر عن طريق ألواح ودسر حتى عندنا يسمونهم بالعامية الكلك، مجموعة أخشاب مشدودة ببعضها ويجلسون عليها وينقلون عليها البضاعة من مكان لمكان ولما يرجع يسحبها بالحبل على كتفه. فتخيل الإنسان لو كان هنا وهي كالجبال وهذه الريح والماء من فوقه ومن تحته، أيُّ رعب هذا؟! ينتقل الإنسان رأساً للتشبث برحمة الله سبحانه وتعالى التي أنجت نوحاً ومن معه وهو في هذه الحال.