الطب النفسي في الحديث النبوي
الطب النفسي في الحديث النبوي
الصبر وعدم الغضب أنجح وسائل العلاج النفسي
كان موضوع الندوة التي عقدتها
جامعة أسيوط مؤخرا وتحدث فيها د. أحمد شوقي إبراهيم أستاذ أمراض الباطنة
الذي قال إن الإنسان مجهول لنفسه، والمصدر الوحيد للمعرفة عنه هو القرآن
والسنة، ومن واقع الفهم لهما يتبين لنا أن الإنسان مكون من جسم وعقل ونفس
وروح. وللجسم أمراض هي مجال عمل الأطباء البشريين، وللنفس أمراض كثيرة هي
مجال عمل الأطباء النفسيين، وللعقل أمراض، وللفكر أمراض أشد سوء من الأمراض
العقلية وأبعد أثرا في ضلال الإنسان. أما الروح فهي من أمر الله لا تتصل
بها علل أو أمراض. وكثير من الأمراض البدنية – خاصة المزمنة – تسبب اكتئابا
وأمراضا نفسية. كما أن الكثير من الأمراض النفسية لها اضطرابات بدنية مثل
التوتر النفسي الذي يسبب ارتفاع في ضغط الدم والسكر وقرحة المعدة وبعض
أمراض القلب.
الطب النفسي قبل الإسلام
وعن الطب النفسي وأفكار الناس عن
العلاج النفسي قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال د. أحمد شوقي
إبراهيم: إن الناس كانوا في منتهى الجهل وكان علاج الأمراض النفسية بطقوس
وثنية في المعابد نقلا عن الإغريق، أو بتعاويذ وتمائم، وإذا لم يستجب
المريض النفسي لذلك كانوا يجوعونه ويربطونه بالسلاسل ويضربونه بالسياط
اعتقادا منهم أن ذلك ينعش ذاكرته ويزيل عنه المرض النفسي.
وأضاف د. أحمد شوقي إبراهيم أن أسلوب
العلاج في الطب النفسي الحديث يعتمد على علاقة إنسانية وعلاجية بين الطبيب
والمريض الهدف منها محاولة تغيير حالة المريض الانفعالية إلى الحالة
النفسية الهادئة الطبيعية ،ويتم العلاج النفسي على خطوات من خلال جلسات
علاجية يحاول فيها الطبيب النفسي مساعدة مريضه على مواجهة مشكلاته بطريقة
بعيدة عن الانفعال وغالبا ما يستعين على ذلك ببعض العقاقير المهدئة.
الصبر أعظم علاج للأمراض النفسية
وقال د. شوقي إن كل
إنسان منا يشعر بالألم من حين لآخر، والألم من أهم وسائل الدفاع في الجسم
وبالتالي فهو من أهم نعم الله على عباده. ويخطئ بعض الناس ويظنون أن الألم
أو الإصابة أو أية خسارة جسيمة تقع عليهم إنما هي عذاب من الله وانتقام،
وهذا خطأ جسيم لأنه يوقع الإنسان فريسة للمرض النفسي. والله سبحانه وتعالى
يقول حاكيا عن لقمان:
[واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور].. ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (إن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا).
والأمر ليس كما يظن الناس... فكل ألم
يحدث للإنسان هو إنذار مفيد، وكل مفيد نعمة يجب أن يشكر الإنسان ربه عليها،
ومن أجل ذلك ينبغي على الإنسان الذي يشعر بالألم أو المرض ألا يتذمر ولا
يضيق ذرعا بل يتذكر نعمة الله عليه فيتجه إليه بالحمد والشكر، وهذا رضا
يصاحبه جرعة كبيرة من الإيمان هي في طبيعتها علاج نفسي يؤدي إلى الشفاء.
وعلى الإنسان أن يستنفذ أسباب البشر من طب وعلاج وغيره وبعد ذلك يتجه إلى الله صابرا راضيا وشاكرا.
وقد أعطتنا السنة النبوية الهداية في
ذلك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأشرف الخلق وأحب خلق
الله إلى الله ومع ذلك كان أكثر الناس إصابة بالألم. ولو لم يكن الألم نعمة
من الله على عباده ما أحدثه لأحب الناس إليه. والذي لا يتبع هدى رسول الله
حينما يحدث له ألم ينفعل ويتوتر وينزعج ويصاب بآلام الأمراض النفسية
والبدنية.
وفي الحديث عن السيدة عائشة قالت ما
رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله. وفي الحديث أيضا عن ابن مسعود قال
(دخلت على رسول الله وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا قال
أجل إنني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت ذلك أن لك أجران قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم نعم ذلك كذلك، ما من مسلم يصبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر
الله بها عن سيئاته كما تحط الشجرة ورقها).
وما كان الله يريد لأحب الناس إليه
ألما وعذابا وما كان الألم غضبا من الله على رسوله ، ولكن ليجعله أسوة
لأمته في الشدة والرخاء والصحة والمرض. ولا شك أن الآلام النفسية هي أشد
إيلاما من الآلام البدنية، والمؤمن يبتلى في الحياة بالمرض والألم تارة أو
بالظلم والبغي عليه تارة أخرى أو بالهم والغم تارة ثالثة. وكل ذلك يسبب له
مرضا نفسيا (توترا واكتئابا.. الخ). وما ينبغي لأحد من المؤمنين أن يظن أن
ذلك عذاب من الله وانتقام. فقد روى عن رسول الله أنه قال (إن عظم الجزاء من
عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله
السخط).
وفي الحديث أيضا (أشد الناس بلاء
الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل). وفي الحديث كذلك (يبتلى الرجل
على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في ابتلائه).
إن أية مصيبة تحدث للمؤمن غير المصيبة
في الدين ينبغي أن يشكر الله عليها لأن ذلك يحط من خطاياه ويرفعه عند الله
درجات وهو في نفس الوقت من الناحية النفسية علاج عظيم.
وقد مرض نبي الله أيوب لمدة 18 عاما
وأخذ الله منه المال وحرمه من الأولاد والصحة فكان يناجي ربه ويقول (أحمدك
يا رب الأرباب، أخذت مني المال والصحة والولد ،وفرغت قلبي من كل ذلك، فلم
يعد يحول بيني وبينك شيء، لو علم عدو الله إبليس بما حباني الله به
لحسدني).
وقد أثبت العلم الحديث أن الصبر على
الألم بنفس راضية ليس عبادة لله فحسب بل فائدة للجسم والنفس. فالذي يحمد
الله على الألم يشعر بدرجة واحدة من الألم، أما الذي يتوتر وينفعل ولا يصبر
فإنه يشعر بنفس الألم عشر درجات. لأن التوتر العصبي يزيد الشعور بالألم،
بينما الهدوء النفسي والصبر يقللان من ذلك كثيرا.
وصدق رسول الله القائل (الصبر نصف
الإيمان واليقين الإيمان كله). وقال أيضا (من يتصبر يصبره الله، ومن يستعن
يعنه الله، ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر).
أحدث علاج نفسي للغضب والتوتر الانفعالي مأخوذ من السنة
وعن علاج التوتر والغضب في السنة
النبوية قال د. أحمد شوقي إبراهيم إن الإنسان العادي يتعرض كل يوم للكثير
من المشكلات التي تسبب له ضيقا وتوترا وانزعاجا وغضبا. والغضب يضر بصحة
الإنسان، فإذا غضب الإنسان ازداد نشاط العصب السمبثاوي (عصب التحفر) وأفرز
الأدرنالين والكورتيزون وغيرهما، وهذا يؤدي إلى تحفز الجسم، فيتسارع ضغط
الدم، ويرتفع نبض القلب، ويكون الإنسان معرضا لأمراض السكر وضغط الدم
المرتفع والذبحة الصدرية وغيرها.
ولم تكن الأضرار الصحية للغضب وما
يصاحبه معروفة قبل العصر الحديث، أما العلم الحديث فقد أثبت أن الانفعال
النفسي يقلل من عمر الإنسان الافتراضي،بينما الضحكة الواحدة تزيد عمره خمس
دقائق. وأفضل نصيحة طبية تقول لهذا الإنسان المنفعل الغضبان "لا تغضب".
إلا إن السنة النبوية قالت هذا الكلام
منذ زمن بعيد ففي الحديث الصحيح (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا تغضب).
وفي الحديث الصحيح أيضا (علموا وبشروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت وإذا غضب أحدكم فليسكت وإذا غضب أحدكم فليسكت).
وهكذا أوصى رسول الله بالسكوت عند
الغضب ثلاثا لأن الإنسان حينما يغضب يكون في حالة من ثلاثة: إما يتكلم
فليسكت، وإما يعمل فليسكت، وإما يكتب فليسكت. إن أي كلام أو كتابة أو عمل
أثناء الغضب لا يمكن أن يوافق الإنسان نفسه عليه إذا سكت عنه الغضب. ولهذا
جاء في الحديث الصحيح ( لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان).
وتجنب الغضب كرد فعل للأحداث اليومية
ليس أمرا سهلا ولكنه يحتاج إلى قوة وشدة في السيطرة على الأعصاب، وإلى
إيمان قوي بالله يهدئ ثورة القلب .. ولذلك جاء الحديث الشريف (ليس الشديد
بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
هذا هو العلاج، أما تناول المهدئات
فإنها تحدث آثارا جانبية إذا تكرر استعمالها وتدخل صاحبها في حلقة مفرغة من
المتاعب الصحية ومتعاطيها كالمستجير من الرمضاء بالنار.
كما أن السنة النبوية أوصت الغضبان أن
يغير من وضعه (فإذا كان واقفا فليجلس وإذا كان جالسا فيلضطجع). وللغرابة أن
ذلك هو أحدث الأساليب العلمية في العلاج النفسي، وهو تقليل الحساسية
الانفعالية والاسترخاء العضلي والنفسي... وصدق رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
منقول.....................