كانت دقيقة في كل حياتها، سواء الشخصية أو العملية منها، حتى في مواعيدها دقيقة، بل و أكثر من ذلك جد منضبطة، حتى أنها إذا ما تأهبت للخروج ستستغرق في تهييء نفسها عشر دقائق، و كأنها ساعة مضبوطة كمؤقت، لم تكن تمل من أعمالها و نشاطاتها المؤقتة و الجد منظمة، بل بالعكس كانت تنظر للأمر و كأنه واجب وطني أو بالأحرى أقل شيء قد يقوم به الفرد في حياته من صواب. هكذا هي نجوى فرحة مسرورة نشيطة و لكن كل شيء مؤقت و دقيق، اتصلت بها صديقتها رنا لتخبرها أنها ستمر عليها من أجل الذهاب للتسوق، فأجابتها لا عليك عشر دقائق و أكون جاهزة، استغرقت ثلاث دقائق لتفكر فيما قد ترتديه و دقيقتين لتنظيف أسنانها و خمس دقائق لترتدي ملابسها تلك عشرة دقائق كاملة، و ما ان انتهت حتى وجدت رنا تطرق الباب، وافتها للخارج و انطلقتا إلا أن الغريب و المضحك في الأمر أن أمثال نجوى الجد منضبطين يعتبرون التسوق و ما شابه مضيعة كبيرة للوقت، لأن كل يومهم يمر كالمنبه، ينقضي بعد الثواني و الدقائق، إلا نجوى كانت فتاة كاملة متكاملة من التناقضات و هذا ما يميزها و بشدة فبقدر انضباطها بقدر اشنياقها لبعض أوقات التشتت و اللانضباط، عموما خرجتا مسرعتان بغية الوصول إلى المركز التجاري خلال عشرة دقائق و فعلا و صلتا في الدقيقة العاشرة، تجولتا و استمتعتا بوقتيهما تجولتا بكل المحلات، - و طبعا كل محل أخذ نصيبه من العشر دقائق - ثم بعد هنيهة ارتأت رنا لفكرة ولوج مدينة الملاهي بعد يوم شاق من التجول، وافقت نجوى فقد أحست أنها فعلا تحتاج لوقت التسلية ذاك، أحست و كأنها ستستعيد قليلا من طفولتها، و ربما هو احساس اجتاحها جعلها تشعر باشتياق لكل شيء حتى لنفسها دخلت مدينة الملاهي تلك، لعبت و ضحكت و استمتعت بوقتها، و كأنها لم تفعل من قبل حيث أحست أنها قد خرجت من روتينها اليومي، بل و حتى من ثوانيها و دقائقها المعدودة برؤوس الأصابع، ضحكت و كأنها لم تضحك من قبل شعرت بتلك الفرحة العارمة كأنها لم تفرح يوما، ثم حضنت صديقتها رنا حضنا قويا و قالت:
_ شكرا غاليتني جعلتني أمضي يوما رائعا لم أكن أتوقع أني سأعيشه يوما...
استغربت رنا كثيرا شعرت و كأنها تودعها، خجلت و في ذات الوقت أحست بقهرة في قلبها ممزوجة بسعادة صديقتها، فاغرورقت عيناها بالدموع و سألت رفيقتها نجوى:
_هل ستتركينني و ترحلين؟؟؟؟
_أجابت نجوى لا يا مغفلة من أخبرك هذا؟؟؟
_طريقة كلامك...
_آسفة لم أقصد فسعادتي اليوم لا توصف و أنت من جعلتني أسعد، و ربما هذا ما دفعني للتحدث بتلك اللهجة...
نظرتا لبعضهما البعض ابتسمتا و مضيتا في طريقهما ليعودا إلى المنزل، و في طريقهما للعودة حدث ما لم يخطر ببال بشر، في أوج سعادة نجوى المطلقة، تمر تلك السيارة اللعينة لتدهسها في الدقيقة العاشرة بعد السادسة مساءا، تقف رنا مكتوفة الأيدي، منبهرة، عبرات تبحث عن ضالتها عل خدها، تتأمل صديقتها نجوى الهامدة في مكانها، التي لا تقوى على الحراك، فقط شعور بالألم الشديد يجعلها تتأوه آهات مثقلة، لتلفظ أنفاسها في تمام عشر دقائق، - و يا لا سخرية القدر حتى في موتها استغرقت عشر دقائق مضبوطة لا أقل و لا أكثر - أغلقت عينيها، رحلت و تركت رنا لوحدها، حل الظلام على كل شيء، و ساد الصمت إلا من ضجيج صاخب بمسامعها، استعادت وعيها لتجد نفسها داخل غرفتها، و صديقتها تصرخ بالباب أين أنت يا نجوى، افتحي الباب لقد تأخرنا، فتحت نجوى الباب و جدت صديقتها أمامها و هي غير مستوعبة، صرخت صديقتها ألم ترتدي ملابسك بعد؟؟؟؟ أنظري إلى الساعة لقد تأخرنا، نظرت إلى الساعة المعلقة على الجدار لتجد أن حتى كابوسها استغرق عشر دقائق بالتمام و الكمال، بعد استيقاظها من فقدان وعي مؤقت دام عشر دقائق...